أذكر في طفولتي ومراهقتي عند قول أو فعل تصرف لا إرادي كانت أمي تقول لي ” شاطرة ” وكنت أظن بعقلي الصغير أنذاك أنها لفعل محمود قمت به وإذ معناها لست راضية وناقمة على السلوك الغير لبق ( وهذا خطأ شائع لمعنى الكلمة ) وكبرت وكبرت معاني الكلمات بسمياتها ولفترة طويلة كنت حريصة جداً على تعلم وجمع الكلمات ومعانيها المحمودة لسلوكياتي البسيطة وكبر معي قاموسي ونما وترعرع بالمحيط حولي واجتهدت وبالذكاء الفطري والإجتماعي ما تستخدمه الكلمة كسحر وقعها ولحظة ولادة جديدة .

وكبر معي السؤال هل للكلمة فعلياً وجود كائن ينطق بها لتعيرنا انتباهاً ؟ قيل الكلمة نور وبعضها قبور ..

استحضرني مشهد ما ذات يوم أعجبني فستان على إحداهن أنيق وناعم وأخبرتها كم هو جميل وأناقتها ملفته ونسيت إطرائي فيما بعد ولم تنسى هي وقع الكلمات باتت كل يوم تأتي لتأخذ رأيي في ما ارتدته أو بالعامية ” بتتغندر ” شعرت حينها لا يهمها ربما إعجابي بقدر ما تبحث عنه سحر كلمة كفيتامين طاقة تجتاح خلايا جسدها وتزهر العروق وكأنها ترسم قوس قزح في السماء و تشرق شموس في لياليي ظلماء و تهطل مطراً في قفارى جرداء كالورد تأتي مع ضيف عزيز بعد عاصفة هوجاء اجتاحتها كحال الجميع .

وفي ظل مشاهد متكررة فالعصا والحجارة يمكن أن تكسر العظام في حين أن الكلمات الرديئة تكسر الروح فكثير من ذكرياتنا المؤلمة المرتبطة بالتجارب فالكلمة مفتاح للسعادة والكرامة والضجر والقهر لذا لم تكن مجرد ” كلمة ” هناك أشخاص بسيطين ينتظرون كلمة رقيقة وهناك أشخاص مستضعفون بالأرض يحتاجون كلمة وتربيته كتف بسيطة وهناك أشخاص صلب من الخارج ضعفاء من الداخل في نظري هم من يبحثون عن كلماتنا وفيتاميناتها العجيبة ..

وعُرف أن الامطار حمضية تقتل الشجر كذلك بعض الناس الكلمة بحد ذاتها تعكس شخصية صاحبها فهي هويته ودالة قوية على أخلاقه وتربيته.فبها نعبّر عمّا في القلب من مشاعر لمن حولنا فبالكلمة الطيبة نستطيع أن نبني علاقة طيبة مع الآخرين وندخل قلوبهم.. الكلمة لا تكلف المرء شيئاً لكنها تصنع الكثير.. بالكلمة نبني صروحاً وبها نهدم صروحاً وفيها نكوّن العلاقة الطيبة مع الناس لو أحسنا إختيار الألفاظ الطيبة في التعامل مع الآخرين لوجدنا الصفاء والود في كل زمان ومكان .

علميا تترك الكلمات الطيبة طاقة إيجابية في الدماغ وأثرا كالذي يخلفه تناول السكر أو العسل فيعتدل مزاجه ويقبل على الحياة بسلوك ايجابي ويؤكد علماء النفس أن الإنسان  تؤثر فيه الكلمات فواحدة تسعده وتحلق به في السماء،‏ وكلمة أخرى قد تحطه أرضا وتجلب له الشقاء‏ وفسروا ذلك علميا بأن الكلمات الجميلة لها تأثير على بعض مراكز المخ التي تساعد على إفراز مادتي الاندروفين والنكيفالين اللتين.

تؤثران على مراكز الإنفعال تحت المهاد وتؤثر بدورها على افراز الغدد الصماء و الجسم كله‏ فلا تجعله يشعر بالألم وتمده بالطاقات المتجددة‏ ومن ثم تساعد الكلمة الطيبة الجسم على إستعادة وظائفه وتعمل على ضبط معدل الضغط لدى مريض الضغط وتضبط السكر في الدم ومن كان في صدره ضعف أوضيق في التنفس تجعله أكثر قدرة على التنفس وغيرها من المشاكل الصحية ومعظم العلاجات الحديثة سواء بدنية أم نفسية تتعامل مع الطاقة سواء طاقة المعالج أم المتلقي وثبت علمياً أن أقوى ذبذبات في الكون هي ذبذبات المحبة.

ومن أجمل الدلائل على قوة تأثير الكلمة الطيبة هي تجربة العالم الياباني ” اموتو ” التي أصبحت من أشهر التجارب التي يقوم بها الأطفال في المدارس حول العالم حينما وضع زجاجتين كل واحده منهم تحتوي على رز مسلوق وكتب على إحداها أحبك وعلى الثانية أكرهك وبعد شهر ظهر عفن كثير على الزجاجة التي كتب عليها أكرهك بينما كان العفن على الثانية أقل بكثير وهكذا هو تأثير الكلمة الطيبة على قلوبنا فمن يسمع طيب الكلام يكون قلبه نقياً نظيفا غير متعفن …

فهل بعد هذه التجربة سيلقي أحد منكم على أهله و أصدقائه ما يتسبب لهم بالعفن؟؟

يمكن القول أن للكلمة فعلياً ولادة جديدة ” تعبير مجازي ” بمجرد النطق بها مثلما روح وجسد الإنسان ولادة جديدة والأذكى من السؤال الصعب ؟ هل للكلمة لحظة ولادة جديدة عند النطق بها أم قبل النطق بها ؟